الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - التّغليظ من غلظ غلظا خلاف دقّ. وكذا استغلظ، والتّغليظ التّوكيد والتّشديد وهو مصدر غلّظ: أي أكّد الشّيء وقوّاه. وهو ضدّ التّخفيف. ومنه غلّظت عليه في اليمين تغليظا أي شدّدت عليه وأكّدت. وغلّظت اليمين تغليظا أيضا قوّيتها وأكّدتها.
2 - يقسّم الفقهاء النّجاسات إلى مغلّظة ومخفّفة. ثمّ اختلفوا في تحديد المغلّظ من النّجاسات، فعند الشّافعيّة والحنابلة هي نجاسة الكلب والخنزير وما تولّد من كلّ منهما. وعند أبي حنيفة هي ما ورد في نجاستها نصّ لم يعارض بنصّ آخر، فإن عارضه نصّ فمخفّفة. وعند أبي يوسف ومحمّد ما اتّفق العلماء على أنّه نجس، فالأرواث كلّها نجسة نجاسة غليظة عند أبي حنيفة، لأنّه ورد فيها نصّ يدلّ على نجاستها، وهو ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه، «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلب منه ليلة الجنّ أحجاراً للاستنجاء، فأتى بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين، ورمى الرّوثة، وقال: إنّها ركس» ولم يرد نصّ يعارضه، فكانت نجاستها مغلّظة. أمّا عند الصّاحبين فمخفّفة لاختلاف العلماء في نجاستها. وبول ما لا يؤكل لحمه نجس نجاسة مغلّظة بالاتّفاق بين الإمام والصّاحبين، لانعدام النّصّ المعارض عند الإمام واتّفاق الفقهاء على نجاسته عندهما. والنّجاسة المغلّظة عند المالكيّة هي ما عدا فضلات ما يؤكل لحمه من النّجاسات. ويفرّق الحنابلة في النّجاسات بين كلّ من الخنزير والكلب وبين سائر النّجاسات، فنجاسة الخنزير والكلب أشدّ، ويليها بول الآدميّ وعذرته، ثمّ سائر النّجاسات، ثمّ بول الرّضيع. واختلف الفقهاء في أحكام النّجاسة المغلّظة، فذهب الحنفيّة إلى أنّه يعفى عن النّجاسة المغلّظة قدر درهم إذا أصابت الثّوب أو البدن في الصّلاة، أمّا المخفّفة فيعفى ما ليس بفاحش. وقال المالكيّة: تطهر النّجاسة المخفّفة بالدّلك. أمّا المغلّظة فلا تطهر إلّا بالغسل. والتّفصيل في باب النّجاسة. وقال الشّافعيّة والحنابلة: إنّ النّجاسة المغلّظة لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداهنّ بالتّراب، وما عداها فتطهر بغسلة واحدة. وأنّه لا يعفى عن قليل النّجاسة المغلّظة وإن قلّت، أو أصابت البدن، أو الثّوب. أمّا غير المغلّظة فيعفى عن قليلها على تفصيل ينظر في باب (النّجاسة).
3 - لا خلاف بين الفقهاء في حرمة النّظر إلى العورة، ووجوب سترها في الصّلاة وخارجها. ولكنّ الحنفيّة والمالكيّة قسّموها في الصّلاة،والنّظر إليها إلى: مغلّظة ومخفّفة. فالمغلّظة عند الحنفيّة هي السّوأتان، وهما القبل، والدّبر، بالنّسبة للرّجل والمرأة على السّواء. وقال المالكيّة: إنّ العورة المغلّظة تختلف باختلاف النّوع، فعورة الرّجل المغلّظة هي السّوأتان في الصّلاة، أمّا المرأة فهي ما عدا صدرها وأطرافها، وهي الذّراعان والرّجلان والعنق. وعند المالكيّة إذا صلّى مكشوف العورة المغلّظة فإنّه يعيد الصّلاة في الوقت وبعد الوقت. ولم يرد في كتب الشّافعيّة والحنابلة هذا التّقسيم للعورة، وكلّ ما جاء فيها أنّه إذا لم يجد ما يستر به العورة كلّها يقدّم السّوأتين. والتّفصيل في باب شروط الصّلاة.
4 - اتّفق الأئمّة الشّافعيّ ومالك وأحمد - على أصل تغليظ الدّية. ثمّ اختلفوا في أسباب التّغليظ، فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أسباب التّغليظ هي ما يأتي: أ - أن يقع القتل في حرم مكّة. ب - أن يقتل في الأشهر الحرم وهي ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب. ج - أن يقتل قريباً له محرماً. وهذا عند الشّافعيّة، وفي قول عند الحنابلة. د - أن يكون القتل عمداً أو شبه عمد. هـ – أن يقتل في الإحرام، أي أن يكون المقتول محرما وهذا عند الحنابلة. وعند المالكيّة والحنابلة يغلّظ في قتل لم يجب فيه قصاص، كقتل الوالد ولده، والمراد الأب وإن علا، والأمّ كذلك. وعند الحنفيّة لا تغليظ إلا في شبه العمد إن قضى الدّية من الإبل، وإن قضى من غير الإبل فلا تغلّظ. أمّا صفة التّغليظ وباقي التّفاصيل فيرجع فيها إلى مصطلح (دية).
5 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ التّغليظ يجري في دعوى الدّم، والنّكاح، والطّلاق، والرّجعة، والإيلاء، واللّعان، والعدّة، والحداد، والولاء، والوكالة، والوصاية، وكلّ ما ليس بمال، ولا يقصد منه المال. أمّا الأموال فيجري التّغليظ في كثيرها، وهو نصاب الزّكاة عشرون ديناراً أو مائتا درهم. أمّا قليلها - وهو ما دون ذلك - فلا تغليظ فيه، إلا أن يرى القاضي التّغليظ لجرأة الحالف. أمّا اليمين الّتي تغلّظ فيستوي فيه يمين المدّعى عليه، واليمين المردودة، واليمين مع الشّاهد. وكذلك قال الحنابلة: لا تغلّظ اليمين إلا فيما له خطر، كالجنايات، والطّلاق، والعتاق، وما تجب فيه الزّكاة من المال. وعند المالكيّة: يغلّظ اليمين في ربع دينار فأكثر.
6 - أجمع الفقهاء على مشروعيّة تغليظ الأيمان في الخصومات بزيادة الأسماء والصّفات، على اختلاف بينهم في الوجوب والاستحباب والجواز. كأن يقول الحالف مثلا: باللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة الرّحمن الرّحيم الّذي يعلم من السّرّ ما يعلم من العلانية. والأصل في ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، «أنّ رجلا حلف بين يدي الرّسول صلى الله عليه وسلم بذلك»، ولأنّ في النّاس من يمتنع من اليمين إذا غلّظ عليه، ويتجاسر بدونها. واختلفوا في تغليظها بالزّمان والمكان. فذهب المالكيّة إلى: أنّها تغلّظ بالمكان كالجامع، وأداء القسم بالقيام، وعند منبره صلى الله عليه وسلم إن وقع اليمين في المدينة، ولا يغلّظ بالزّمان عندهم. وعند الشّافعيّة: يغلّظ بالمكان والزّمان، فيجري بعد صلاة عصر يوم الجمعة مثلا في الجامع في غير مكّة والمدينة، وفيهما عند منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعند الرّكن الأسود. وهل التّغليظ بالمكان مستحبّ أم واجب لا يعتدّ بالقسم إلا به؟ فيه قولان للشّافعيّة، أظهرهما: الأوّل، وعند المالكيّة: واجب. وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى: أنّه لا تغلّظ اليمين في حقّ المسلمين، لا بالزّمان ولا بالمكان، لأنّ المقصود هو تعظيم المقسم به، وهو حاصل في غير المسجد كما يحصل في المسجد، ولكنّ الحنابلة جوّزوا التّغليظ في حقّ المسلم إن رأى الحاكم في ذلك مصلحة، وتغلّظ اليمين عند المذهبين في حقّ أهل الذّمّة. 7 - وهل يتوقّف تغليظ اليمين على طلب الخصم، أم يغلّظ القاضي وإن لم يطلب الخصم؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ التّغليظ إلى رأي القاضي، ولا دخل للخصم في التّغليظ. وقال المالكيّة والشّافعيّة: إنّ التّغليظ في اليمين هو حقّ للخصم، فإن طلب الخصم غلّظت وجوباً، فإن أبى من توجّهت عليه اليمين ممّا طلبه المحلّف من التّغليظ عدّ ناكلاً. وانظر لمزيد من التّفصيل مصطلح (أيمان).
8 - اختلف الفقهاء في تغليظ اللّعان بالزّمان والمكان فذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى مشروعيّة تغليظه بالزّمان والمكان، فيجري اللّعان عندهم في أشرف مواضع البلد، فإن كان في مكّة فبين الرّكن الأسود والمقام، وفي المدينة عند منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس عند الصّخرة، وفي سائر البلدان في الجامع عند المنبر. ويلاعن غير المسلمين في الموضع الّذي يعظّمونه كالكنائس عند النّصارى، وبيت النّار للمجوس. وقال القفّال من الشّافعيّة: لا بل يلاعن بينهما في المسجد أو مجلس الحكم. قال النّوويّ: ولا يؤتى بيت الأصنام في لعان الوثنيّين، لأنّه لا أصل له في الحرمة، واعتقادهم غير معتبر. ويغلّظ بالزّمان بعد صلاة العصر. ويغلّظ بحضور جماعة من أعيان البلد وصلحائه. ثمّ التّغليظ بهذه الأمور واجب عند المالكيّة، إلا وقوعه بعد صلاة، فهو مندوب عندهم، وعند الشّافعيّة فيه أقوال، والمذهب عندهم الاستحباب في الجميع. ولا يغلّظ اللّعان بالزّمان ولا بالمكان عند الحنفيّة والقاضي أبي يعلى من الحنابلة، لأنّ اللّه أطلق الأمر بذلك، ولم يقيّده بزمن ولا مكان فلا يجوز تقييده إلّا بدليل، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر هلالاً بإحضار امرأته، ولم يخصّه بزمن ولا مكان»، ولو خصّه بذلك لنقل ولم يهمل. وقال أبو الخطّاب من الحنابلة: يستحبّ أن يتلاعنا في الأزمان والأماكن الّتي تعظّم.
9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ تغليظ عقوبة التّعزير - وهي كلّ عقوبة شرعت في معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة - يكون باجتهاد الحاكم لأنّ المقصود منها الزّجر وأحوال النّاس تختلف في ذلك.
انظر: تغيير.
1 - من معاني التّغيير في اللّغة: التّحويل. يقال: غيّرت الشّيء عن حاله أي حوّلته وأزلته عمّا كان عليه. ويقال: غيّرت الشّيء فتغيّر، وغيّره إذا بدّله، كأنّه جعله غير ما كان عليه. وفي التّنزيل العزيز: {ذَلكَ بِأَنَّ اللَّهَ لمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَومٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهمْ}. قال ثعلب: معناه حتّى يبدّلوا ما أمرهم اللّه. وغيّر عليه الأمر حوّله، وتغايرت الأشياء اختلفت. ومعناه الاصطلاحيّ عند الفقهاء لا يخرج عن معناه اللّغويّ.
أ - التّبديل: 2 - التّبديل من بدّلت الشّيء تبديلا بمعنى غيّرت صورته تغييراً، وأبدلته بكذا إبدالاً نحّيت الأوّل، وجعلت الثّاني مكانه. وفرّق الأصوليّون من الحنفيّة بين بيان التّغيير وبيان التّبديل. فقالوا: بيان التّغيير هو البيان الّذي فيه تغيير لموجب اللّفظ من المعنى الظّاهر إلى غيره. وذلك كالتّعليق بالشّرط المؤخّر في الذّكر، كما في قول الرّجل لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدّار. وبيان التّبديل بيان انتهاء حكم شرعيّ بدليل شرعيّ متراخ، وهو النّسخ
يختلف حكم التّغيير باختلاف موضعه، وبيان ذلك فيما يأتي:
3 - أجمع العلماء على أنّ الماء الّذي غيّرت النّجاسة طعمه أو لونه أو ريحه أو أكثر من واحد من هذه الأوصاف أنّه لا يجوز الوضوء ولا التّطهّر به، كما أجمعوا على أنّ الماء الكثير المستبحر لا تضرّه النّجاسة الّتي لم تغيّر أحد أوصافه الثّلاثة. كذلك أجمعوا على أنّ كلّ ما يغيّر الماء - ممّا لا ينفكّ عنه غالبا كالطّين - أنّه لا يسلبه صفة الطّهارة أو التّطهير، إلا خلافاً شاذّاً روي عن ابن سيرين في الماء الآسن. وأمّا الماء الّذي خالطه زعفران أو غيره من الأشياء الطّاهرة الّتي تنفكّ عنه غالبا متى غيّرت أحد أوصافه الثّلاثة، فإنّه طاهر عند جميع العلماء. ولكنّهم اختلفوا في طهوريّته، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه غير مطهّر لأنّه لا يتناوله اسم الماء المطلق، بل يضاف إلى الشّيء الّذي خالطه، فيقال مثلا: ماء زعفران. وذهب الحنفيّة إلى أنّه مطهّر ما لم يكن التّغيّر عن طبخ. أمّا المتغيّر بالطّبخ مع شيء طاهر فقد أجمعوا على: أنّه لا يجوز الوضوء ولا التّطهّر به. واختلفوا في الماء غير المستبحر إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه، فذهب الجمهور إلى الفرق بين الماء القليل والماء الكثير، فقالوا: إن كان قليلا أصبح نجسا، وإن كان كثيرا لم يكن نجسا. وهؤلاء اختلفوا في الحدّ بين القليل والكثير، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّ الحدّ بينهما هو أن يكون الماء من الكثرة بحيث إذا حرّكه آدميّ من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطّرف الثّاني منه، أمّا إذا سرت الحركة فيه فهو قليل. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحدّ في ذلك هو قلّتان من قلال هجر، مستدلّين بحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم «إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث» وفي لفظ «لم ينجس». ومن العلماء من لم يحدّ في ذلك حدّا وقال: إنّ النّجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغيّر أحد أوصافه، وهذا مرويّ عن الإمام مالك، وروي عنه أيضا أنّ هذا الماء مكروه. وذهب بعض العلماء - ومنهم المالكيّة، وأهل الظّاهر - إلى أنّه طاهر سواء كان قليلا أو كثيرا. وانظر لتفصيل ذلك الخلاف في بحث (مياه).
4 - أجمع الفقهاء على أنّ تغيير النّيّة في الصّلاة، ونقلها من فرض إلى آخر، أو من فرض إلى نفل عالماً عامداً من غير عذر يبطل الصّلاة. وتنظر تفاصيل هذه المسألة في مصطلح (تحويل، ونيّة).
5 - أجمع الفقهاء على أنّه إذا تغيّرت حالة الإنسان التّكليفيّة، كأن طهرت الحائض أو النّفساء، أو بلغ الطّفل، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون أو المغمى عليه، أو أقام المسافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه أداء العبادة، فإنّه يجب عليه الأداء. ولكنّهم اختلفوا فيما إذا حصل هذا التّغيّر في العصر أو العشاء، هل تجب عليهم صلاة الظّهر في الحالة الأولى، وصلاة المغرب في الثّانية؟. ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الظّهر والمغرب، لأنّ وقت الثّانية وقت الأولى حال العذر. وذهب الحنفيّة والحسن البصريّ والثّوريّ إلى أنّه لا تجب عليهم إلّا الصّلاة الّتي زالت في وقتها الأسباب المانعة، لأنّ وقت الأولى خرج في حال عذرهم. واختلفوا كذلك في القدر الّذي يتعلّق به الوجوب، فذهب الجمهور إلى أنّه بمقدار تكبيرة الإحرام، فمن أدرك من آخر الوقت ما يسع التّحريمة فقد وجبت عليه الصّلاة، وإلا فلا. وذهب المالكيّة إلى أنّه بمقدار ركعة فأكثر، وهو قول مرجوح عند الشّافعيّة، فمن أدرك من آخر الوقت ما يسع ركعة فأكثر فقد وجبت عليه الصّلاة، وإلّا فلا يجب عليه شيء. وتجب صلاة الظّهر والمغرب عند المالكيّة، إذا أدرك من آخر العصر أو العشاء ما يتّسع لخمس ركعات في الحضر وثلاث ركعات في السّفر. واختلفوا كذلك فيما إذا حاضت المرأة أو نفست أو جنّ العاقل أو أغمي عليه - وقد مضى من الوقت قدر يتّسع للفرض - فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب الصّلاة الّتي أدرك بعض وقتها، وكذلك الّتي قبلها إن كانت تجمع معها وأدرك قدر ما يتّسع لها أيضاً، لأنّ وقت الثّانية وقت الأولى في حال الجمع. وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ حدوث هذه الأعذار يسقط الفرض، وإن طرأت في آخر الوقت. ويتصوّر في هذه المسألة حدوث الجنون والإغماء والحيض والنّفاس، بخلاف الكفر والصّبا فلا يتصوّر حدوث الصّبا، لاستحالة ذلك، أمّا حدوث الكفر - والعياذ باللّه - فهو ردّة لا تسقط لزوم القضاء إلّا عند الحنفيّة. واختلفوا في مسألة بلوغ الطّفل في وقت الصّلاة - وقد صلّاها وفرغ منها - أو بلغ وهو في الصّلاة، وكذلك في صومه. انظر مصطلح (بلوغ، صلاة، صوم).
6 - ذهب جمهور العلماء إلى أنّه إذا تغيّر اجتهاد المصلّي في القبلة من جهة إلى جهة أخرى - وكان في الصّلاة - استدار إلى الجهة الثّانية وأتمّ الصّلاة، لما روي «أنّ أهل قباء لمّا بلغهم تحويل القبلة من بيت المقدس استداروا كهيئتهم إلى الكعبة، وأتمّوا صلاتهم، ولم يأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالإعادة»، ولأنّ الصّلاة المؤدّاة إلى جهة التّحرّي مؤدّاة إلى القبلة لأنّها هي القبلة، حال الاشتباه، ولأنّ تبدّل الرّأي في معنى انتساخ النّصّ، وهذا لا يوجب بطلان العمل بالمنسوخ في زمان ما قبل النّسخ. ويشترط المالكيّة لهذا شرطين أوّلهما: أن يكون المصلّي أعمى، وثانيهما: أن يكون انحرافه عن القبلة قبل تغيّر الاجتهاد يسيرا، أمّا إذا كان بصيراً أو كان انحرافه عن القبلة كثيرا، فيقطع صلاته وجوبا، ويصلّي إلى الجهة الثّانية. ويرى بعض العلماء، ومنهم الآمديّ أنّه لا ينقل من جهته الأولى، ويمضي على اجتهاده الأوّل، لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وإن كان تغيّر الاجتهاد بعد الفراغ من الصّلاة، ولم يتبيّن الخطأ يقينا، فلا يعيد ما صلّى بالأوّل بلا خلاف. أمّا إذا ثبت الخطأ يقينا فقال المالكيّة والشّافعيّة: يعيدها إن فرغ منها ولم يزل في وقتها، ويقضيها بعد الوقت عند الشّافعيّة. وعند الحنفيّة والحنابلة، وفي قول مرجوح للشّافعيّة: لا يعيدها إن فرغ منها سواء كان في الوقت أو بعده.
7 - أجمع أهل العلم على أنّ بيع النّصاب من عروض التّجارة بمثله أثناء الحول لا يقطع الحول، لأنّ الزّكاة تجب في قيمة العروض لا في نفسها. وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه إذا باع نصابا للزّكاة ممّا يعتبر فيه الحول بجنسه كالإبل بالإبل، أو البقر بالبقر، أو الغنم بالغنم، أو الذّهب بالذّهب، أو الفضّة بالفضّة، لم ينقطع الحول وبنى حول البدل على حول النّصاب الأوّل (المبدل منه) لأنّه نصاب يضمّ نماؤه في الحول، فبنى حول بدله من جنسه على حوله كالعروض. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الحول ينقطع بهذه المبادلة ما لم تكن للتّجارة، فلا ينقطع الحول إلا في الصّرف فينقطع، ويستأنف حول جديد، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول». أمّا الحنفيّة، فقد وافقوا المالكيّة والحنابلة في الأثمان، ووافقوا الشّافعيّة فيما سواها، لأنّ الزّكاة إنّما وجبت في الأثمان عندهم، لكونها ثمنا، بخلاف غيرها من الأموال الأخرى. أمّا إذا باع نصاباً للزّكاة بغير جنسه، كإبل ببقر، فقد اتّفقوا على انقطاع الحول واستئناف حول جديد، إذا لم يكن هذا فراراً من الزّكاة. وينظر التّفصيل في مصطلح (زكاة).
8 - إذا خطب الرّجل امرأة بعينها، فأجيب إلى ذلك، ثمّ أوجب له النّكاح في غيرها، وهو يعتقد أنّها الّتي خطبها فقبل، فلا ينعقد النّكاح. لأنّ القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه، وإلى هذا ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ولو نكح، وشرط فيها إسلاماً، أو في أحدهما نسباً أو حرّيّة أو بكارة أو شباباً أو تديّناً فأخلف، فمذهب جمهور الفقهاء، وهو الرّاجح عند الشّافعيّة صحّة النّكاح. قال الشّافعيّة: لأنّ الخلف في الشّرط لا يوجب فساد البيع مع تأثّره بالشّروط الفاسدة، فالنّكاح أولى. قال الحنابلة: ويثبت الخيار لفوات الشّرط أو الوصف المرغوب. وذهب الشّافعيّة في قول مرجوح عندهم إلى عدم صحّة النّكاح، لأنّه يعتمد الصّفات فتبدّلها كتبدّل العين. وأجمع أهل العلم على أنّه إذا عتقت الأمة - وزوجها عبد - فلها الخيار في فسخ النّكاح لخبر بريرة رضي الله عنها. قالت عائشة رضي الله عنها «كاتبت بريرة فخيّرها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في زوجها، وكان عبدا فاختارت نفسها». ولأنّ عليها ضرراً في كونها حرّة تحت عبد. واختلفوا فيما إذا عتقت وزوجها حرّ، فالجمهور على أنّه لا خيار لها، لأنّها كافأت زوجها في الكمال، فلم يثبت لها الخيار. وذهب طاوس وابن سيرين ومجاهد والنّخعيّ والثّوريّ والحنفيّة إلى أنّ لها الخيار. واستدلّوا بما روي في حديث بريرة أنّ زوجها كان حرّا، كما رواه النّسائيّ في سننه. وأجمع الفقهاء على بقاء نكاح الكتابيّة الّتي أسلم زوجها، سواء قبل الدّخول أو بعده، لأنّ للمسلم أن يبتدئ نكاح كتابيّة، فاستدامته أولى. كما أجمعوا على أنّه إذا أسلمت الكتابيّة قبل زوجها، وقبل الدّخول بها تعجّلت الفرقة، سواء كان زوجها كتابيّاً أم مجوسيّاً أو غيرهما، إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. واختلفوا فيما إذا أسلم أحد الزّوجين الوثنيّين أو المجوسيّين، أو كتابيّ متزوّج بوثنيّة. وينظر ذلك في مصطلح (إسلام، ونكاح).
9 - اختلف الفقهاء في حكم تغيير المغصوب. فقال الحنفيّة والمالكيّة: إن غيّر المغصوب فزال اسمه وأعظم منافعه، كطحن حنطة، ضمنه الغاصب وملكه، بلا حلّ انتفاع قبل أداء ضمانه. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إن كان التّغيير قد زاد من قيمة المغصوب، فهو للمالك ولا شيء للغاصب بسببها، إن كانت الزّيادة أثرا محضا، وإن نقص من المغصوب فعلى الغاصب ردّه وأرش النّقص. والتّفاصيل في مصطلح: (غصب).
10 - إذا تغيّر حال الجاني أو المجنيّ عليه من الإسلام إلى الكفر أو العكس، ففي وجوب القصاص أو عدمه، ومقدار الدّية مذاهب يرجع إليها في مباحث (الدّية، والقصاص).
1 - التّفاؤل: أن تسمع كلاما حسنا فتتيمّن به، وإن كان قبيحا فهو الطّيرة، يقال: فأل به تفئيلا جعله يتفاءل به، وتفأّل به بالتّشديد تفؤّلا. وتفاءل تفاؤلا، ويستعمل غالباً في الخير، وفي الأثر: «لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح». وقد يستعمل في الشّرّ أيضا، يقال: لا فأل عليك أي لا ضير عليك، وجاء في الأثر: «ذكرت الطّيرة عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: خيرها الفأل». وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام: «لا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطّيّبة». ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ. وقد عرّفه القرافيّ بأنّه: ما يظنّ عنده الخير. عكس الطّيرة والتّطيّر. غير أنّه تارة يتعيّن للخير، وتارة للشّرّ، وتارة يتردّد بينهما، فالمتعيّن للخير مثل الكلمة الحسنة يسمعها الرّجل من غير قصد. نحو: يا فلاح، يا مسعود.
التّبرّك: 2 - التّبرّك: طلب ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء. سمّيت بركة لثبوت الخير فيه، كما يثبت الماء في البركة.
3 - التّفاؤل مباح بل حسن إذا كان متعيّناً للخير، كأن يسمع المريض يا سالم، فينشرح لذلك صدره. ولا خلاف بين الفقهاء في جواز التّفاؤل بالكلمة الحسنة من غير قصد، كأن يسمع المريض يا سالم، أو يسمع طالب الضّالّة يا واجد فتستريح نفسه لذلك. لخبر «لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصّالح والكلمة الحسنة». وكان النّبيّ عليه الصلاة والسلام يعجبه: أن يسمع يا راشد يا نجيح إذا خرج لحاجته. وكان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح ورئي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. وإنّما كان يعجبه الفأل، لأنّه تنشرح له النّفس وتستبشر بقضاء الحاجة فيحسن الظّنّ باللّه. وقال عزّ من قائل في حديث قدسيّ: «أنا عند ظنّ عبدي بي، فلا يظنّنّ بي إلا خيراً». بخلاف الطّيرة فإنّها من أعمال أهل الشّرك حيث كانوا يعتقدون حصول الضّرر بما يتطيّر به.
4 - التّفاؤل المباح: أن يسمع الرّجل الكلمة الطّيّبة من غير قصد، أو يسمّي ولده اسماً حسناً فيفرح عند سماعه. أمّا أخذ الفأل من المصحف، كأن يفتحه فيتفاءل ببعض الآيات في أوّل الصّفحة، أو يتفاءل بضرب الرّمل، فيتفاءل ببعض رموزه فحرام. وانظر أيضاً مصطلح: (تطيّر، وتسمية).
1 - التّفرّق في اللّغة: مصدر: تفرّق ضدّ تجمّع، يقال: تفرّق القوم تفرّقاً، ومثله افترق القوم افتراقا والتّفريق: خلاف التّجميع، يقال: فرّق الشّيء تفريقا وتفرقة: بدّده، وهو متعدّ، أمّا التّفرّق فلازم. والتّفريق أبلغ من الفرق، لما فيه من معنى التّكثير. والتّفرّق في الاصطلاح لا يخرج معناه عن المعنى اللّغويّ.
التّجزّؤ: 2 - التّجزّؤ: من تجزّأ الشّيء تجزّؤا، وجزّأ الشّيء تجزئة: حمله أجزاء. والتّفرّق يكون بين الأبدان، والتّجزّؤ في الأمور.
3 - تختلف أحكام التّفرّق باختلاف موضوعه: فيسقط خيار المجلس بتفرّق المتعاقدين عند من يجيز خيار المجلس من الفقهاء. ويبطل العقد بالتّفرّق قبل القبض فيما يشترط في صحّته التّقابض في المجلس. كرأس مال السّلم، وبيع الرّبويّ بمثله، أو بمتّحدّ معه في العلّة، على اختلاف بين الفقهاء في بعض التّفاصيل.
4 - التّفرّق المؤثّر هو: أن يتفرّقا بأبدانهما، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء، والمرجع فيه عرف النّاس، وعادتهم فيما يعدّونه تفرّقا، لأنّ الشّارع ناط عليه حكما ولم يبيّنه، فدلّ ذلك على أنّه أراد ما يعرفه النّاس،ككلّ ما أطلقه الشّارع في المعاملات كالقبض، والإحراز. هذا ويسقط بالتّفرّق خيار المجلس، ويلزم العقد في غير الصّرف والرّبويّ، ويبطل بالتّفرّق بيع الرّبويّ قبل القبض. أمّا هل يقوم التّخاير مقام التّفرّق في إسقاط خيار المجلس؟ وهل يجوز التّخاير قبل القبض في بيع الرّبويّ، وآراء الفقهاء في ذلك؟ فيرجع فيها إلى مصطلح (خيار المجلس).
5 - ذهب الشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّ التّفرّق بعد انعقاد البيع يسقط حقّه في خيار المجلس لخبر: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا». قال ابن قدامة: وهذا قول أكثر أهل العلم. وإن لم يتفرّقا، وأقاما مدّة طويلة، فالخيار بحاله، وإن طالت المدّة لعدم التّفرّق. لما روى أبو الوضيء - عبّاد بن نسيب -: «غزونا غزوة، فنزلنا منزلا، فباع صاحب لنا فرسا بغلام، ثمّ أقاما بقيّة يومهما وليلتهما، فلمّا أصبحا من الغد حضر الرّحيل، فقام إلى فرسه يسرّجه فندم، فأتى الرّجل وأخذه بالبيع، فأبى الرّجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصّة فقال: أترضيان أن أحكم بينكما بقضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا وما أراكما افترقتما».
6 - إن أكره الشّخص على التّفرّق ففيه وجهان للشّافعيّة - وهما روايتان للحنابلة - أحدهما: أنّه يبطل الخيار، لأنّه كان يمكنه الفسخ بالتّخاير، وهو أن يقول لصاحبه: اختر فيلزم العقد، فحيث لم يفعل ذلك فقد رضي بإسقاط الخيار. الثّاني: لا يبطل الخيار لأنّه لم يوجد منه أكثر من السّكوت، والسّكوت لا يسقط الخيار. ولم يأخذ أبو حنيفة ومالك بخيار المجلس أصلا. وتفصيله في مصطلح (خيار المجلس).
7 - أجمع الفقهاء على أنّه إذا بيع أحد النّقدين بمثله، أو بالآخر يجب التّقابض في المجلس. وإلا يبطل العقد لخبر: «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة إلا مثلاً بمثل، ولا تُشِفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز». أمّا غير النّقدين من الرّبويّات فقد اختلف الفقهاء في حرمة التّفرّق قبل القبض فعند المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، يشترط التّقابض ويحرم التّفرّق قبل القبض، إن اتّحد الجنس، أو اتّحدت علّة الرّبا فيهما، ويبطل العقد بالتّفرّق قبل القبض. وذهب الحنفيّة إلى عدم اشتراط التّقابض في المجلس في الموزون والمكيل المعيّن، ويجوز التّفرّق قبل القبض، ولا يبطل العقد به. وتفصيله في (ربا، قبض).
8 - يشترط لصحّة عقد السّلم قبض رأس مال السّلم قبل التّفرّق، فإن تفرّقا قبل القبض بطل العقد. وإلى هذا ذهب الحنفيّة، والشّافعيّة والحنابلة. وقال المالكيّة: لا يشترط قبض رأس مال السّلم في المجلس، ولا يبطل بالتّفرّق، فيجوز عندهم تأخير القبض ثلاثة أيّام لخفّة الأمر ولأنّ ما قارب الشّيء يعطى حكمه.
9 - العرايا: جمع عريّة، وهي بيع ما على النّخلة من رطب بتمر على الأرض، أو العنب في الشّجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق. ويشترط في صحّة بيع العرايا عند القائل به التّقابض قبل التّفرّق. وتقدّم تفصيله في بيع العرايا.
10 - لا يجوز أن يفترق المتناضلان حتّى يستوفيا المقدار المشروط التّناضل به في الزّمن المحدّد إلّا لعذر كمرض، أو ريح عاصفة أو بالتّراضي. والتّفصيل في مناضلة.
11 - تتفرّق الصّفقة بتفصيل الثّمن كأن يقول: بعتك هذا بكذا، وهذا بكذا، فيقبل الآخر، وبتعدّد المشتري، أو البائع، وبالجمع في صفقة بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه كخلّ، وخمر. ومعنى تفرّق الصّفقة تفريقها في الحكم. ففي حالة تفصيل الثّمن مثلا يجوز للمشتري قبول أحد المبيعين وردّ الآخر، وفي حالة تعدّد العاقدين، له ردّ نصيب أحدهما بالعيب وإبقاء الآخر، وفي حالة الجمع بين الحلال والحرام في صفقة، يصحّ العقد في الحلال، ويبطل في الحرام. والتّفصيل في تفرّق الصّفقة.
12 - إذا تفرّق المجتمعون أثناء الخطبة، أو نقص عددهم لم يحسب الجزء المؤدّى من أركان الخطبة في غيبتهم. والتّفصيل في صلاة الجمعة.
13 - إذا اجتمع عراة للصّلاة، فإن كانوا في ظلام صلّوا جماعة، وإلا تفرّقوا وجوبا، وصلّوا أفذاذا والتّفصيل في مصطلح (عورة).
14 - إذا تفرّق جمع وظهر في المكان قتيل، يكون ذلك قرينة على أنّهم الجناة، ويثبت لوليّ الدّم أن يحلّفهم أيمان القسامة. وينظر التّفصيل في ( القسامة).
1 - التّفريط في اللّغة: التّقصير والتّضييع، يقال فرّط في الشّيء وفرّطه: إذا ضيّعه وقدّم العجز فيه، وفرط في الأمر يفرط فرطاً أي: قصّر فيه وضيّعه حتّى فات. واصطلاحاً: لا يخرج عن هذا المعنى اللّغويّ.
الإفراط: 2 - الإفراط لغة: الإسراف مجاوزة الحدّ والإفراط كذلك: الزّيادة على ما أمرت، يقال أفرط إفراطاً: إذا أسرف وجاوز الحدّ. ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن معناه اللّغويّ. قال الجرجانيّ في التّعريفات: الفرق بين الإفراط والتّفريط، أنّ الإفراط يستعمل في تجاوز الحدّ من جانب الزّيادة والكمال، والتّفريط يستعمل في تجاوز الحدّ من جانب النّقصان والتّقصير، فالنّسبة بين الإفراط والتّفريط التّضادّ.
3 - الأصل في التّفريط التّحريم لما فيه من التّضييع لحقوق اللّه تعالى وحقوق الآدميّين، ومن ذلك عدم أداء الصّلاة حتّى يخرج وقتها إهمالا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط، إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى». أ - التّفريط في العبادات: 4 - هو صورة من صور التّفريط في حقوق اللّه تعالى، والتّفريط في العبادة إمّا أن يكون بتركها بالكلّيّة، أو بترك ركن من أركانها، أو واجب من واجباتها، أو سنّة من سننها، أو يكون بأدائها في غير وقتها المحدّد لها شرعاً. فإن كان التّفريط بتركها بالكلّيّة، فلا خلاف بين الفقهاء في تفسيق تاركها وتأثيمه وتعزيره إن كان تركها تهاوناً وكسلاً، وتكفيره إن كان تركها جحوداً. وإن كان التّفريط بترك ركن من أركان العبادة فإنّه يؤدّي إلى بطلانها، ويجب عليه الإعادة، وذلك كمن ترك تكبيرة الإحرام في الصّلاة، أو الإمساك في الصّوم، أو الوقوف بعرفة في الحجّ. وإن كان التّفريط بترك واجب من واجباتها، فتبطل العبادة إن تركه عمداً، كمن ترك التّشهّد الأوّل في الصّلاة - عند من يقول بوجوبه في الصّلاة - فإن تركه سهواً أو جهلاً فيمكن تدارك هذا التّفريط بالجبر فيسجد سجود السّهو لترك واجب الصّلاة. ويجب في ترك الواجب في الحجّ دم حدّاً له. وترك سنّة من سنن العبادة، ليس تفريطا عند الجمهور، ولا إثم فيه، ولا شيء عليه غير نقصان الثّواب، وعبادته تقع صحيحة. ويرى المالكيّة والشّافعيّة مشروعيّة سجود السّهو لترك سنّة من سنن الصّلاة، أمّا عند الحنفيّة لترك السّنّة تفريط لكنّه لا يوجب فسادا ولا سهوا، بل إساءة لو عامدا غير مستخفّ، وقالوا: الإساءة أدون من الكراهة التّحريميّة، وحكم السّنّة أنّه يندب إلى تحصيلها، ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير. وهناك تفصيل وخلاف بين المذاهب ينظر في مصطلح (سجود السّهو). وإن كان التّفريط بأداء العبادة في غير وقتها المحدّد لها شرعا، فإن أدّاها قبل وقتها فلا تصحّ منه لتخلّف الشّرط عنها، وإن أدّاها بعد خروج وقتها بغير عذر فإنّه آثم، كأداء الصّلاة بعد خروج الوقت، وتأخير الزّكاة عن الحول عند من يرى وجوب إخراجها على الفور. ب - التّفريط في عقود الأمانات: 5 - وهو من صور التّفريط في حقوق العباد. إنّ التّفريط والتّقصير في عقود الأمانات كالوديعة يوجب الضّمان فيها. أمّا إن تلفت العين بغير تعدّ أو تفريط فلا ضمان عليه. ومن صور التّفريط في الأمانات إهمال حفظها في حرز مثلها، أو أن يودعها عند غير أمين. وكذلك العاريّة والرّهن عند من يعدّها من الأمانات. وهناك خلاف وتفصيل في المذاهب ينظر في مصطلح (ضمان، وتعدّ، وإعارة). ج - التّفريط في الوكالة: 6 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الأصل في الوكيل أنّه أمين، فلا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط منه ولا تعدّ، وذلك لأنّه في مقام المالك في اليد والتّصرّف، فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك، فأصبح كالمودع، ولأنّ الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضّمان مناف لذلك بدون موجب قويّ كتفريطه وتعدّيه.وللتّفصيل انظر مصطلح (ضمان، وكالة). د - تفريط الأجير: 7 - إذا فرّط الأجير فيما وكّل إليه من عمل فتلف ما في يده وجب عليه الضّمان، لا فرق في ذلك بين الأجير الخاصّ كالخادم والرّاعي، وبين الأجير المشترك كالخيّاط والصّبّاغ. وهناك تفصيل وخلاف بين المذاهب ينظر في مصطلح (إجارة، ضمان). هـ - التّفريط في النّفقة: 8 - إذا فرّط الزّوج في الإنفاق على الزّوجة والأولاد، أو أنفق عليهم دون كفايتهم، فللزّوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وأولادها عرفا بغير إذنه، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة. حين قالت له: إنّ أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النّفقة ما يكفيني وولدي: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» وإن لم تقدر على أخذ كفايتها وكفاية ولدها من ماله رفعت أمرها للحاكم. وهناك تفصيل وخلاف بين المذاهب ينظر في مصطلح: (نفقة). و - تفريط الوصيّ: 9 - الوصيّ أمين. فلا يضمن ما هلك في يده من مال الموصى عليه، ويقبل قوله مع يمينه إذا اختلف مع الصّبيّ بعد بلوغه رشيداً. وإنّما يضمن إذا فرّط في مال الموصى عليه، كما لو دفع المال إلى اليتيم قبل رشده بعد الإدراك فضاع لأنّه دفعه إلى من ليس له أن يدفعه إليه. وللتّفصيل انظر مصطلح (ضمان، وصيّ). ز - التّفريط في إنقاذ مال الغير: 10 - من رأى مال غيره معرّضا للضّياع أو التّلف فلم يسع لإنقاذه، فتلف المال أو ضاع، فإنّه آثم بالتّفريط في إنقاذه، لأنّ حفظ مال الغير واجب مع القدرة. واختلف الفقهاء في وجوب ترتّب الضّمان عليه، فذهب الجمهور إلى أنّه لا ضمان عليه، والمشهور عند المالكيّة وجوب الضّمان عليه وللتّفصيل انظر: مصطلح (ضمان). ح - التّفريط في إنقاذ حياة الغير: 11 - من فرّط في إنقاذ حياة إنسان كأن رآه في مهلكة، فلم يمدّ له يد العون مع قدرته على ذلك، فهلك الإنسان، فإنّه آثم لا محالة لوجوب المحافظة على الأنفس، واختلفوا في ترتّب الضّمان عليه في ذلك. فذهب الجمهور " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في وجه " إلى أنّه لا ضمان عليه لأنّه لم يهلكه، لا عن طريق المباشرة، ولا عن طريق التّسبّب. وذهب المالكيّة والحنابلة في وجه إلى وجوب الضّمان عليه، لأنّه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه.
1 - التّفريق لغة واصطلاحاً خلاف الجمع يقال: فرّق فلان الشّيء تفريقاً، وتفرقة إذا بدّده، وفي الحديث: «لا يجمع بين متفرّق، ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة».
يختلف حكم التّفريق باختلاف متعلّقه: أ - تفريق المال المختلط خشية الصّدقة: 2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز لأرباب الأموال من أهل الزّكاة، أن يفرّقوا أموالهم المختلطة، الّتي وجب فيها باجتماعها فرض الزّكاة، ليسقط عنها الفرض، أو ليقلّ الواجب. كأن يكون لهما أربعون شاة مختلطة خلطة اشتراك، أو خلطة جوار فيفرّقاها قبل نهاية الحول ليسقط عنها الفرض بالتّفرقة، ولا يجوز لأرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم المتفرّقة ليقلّ الواجب. وكذا السّاعي لا يجوز له أن يجمع المتفرّق خشية سقوط الصّدقة أو قلّتها لحديث «لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة». وانظر تفصيل هذه المسألة في مصطلح (زكاة). ب - تفريق أيّام الصّوم، في التّمتّع: 3 - اختلف الفقهاء في جواز وصل المتمتّع صوم الأيّام العشرة إذا لم يصم الثّلاثة في وقتها. وجوّز الحنابلة والمالكيّة الوصل بين الثّلاثة والسّبعة، أمّا عند الحنفيّة إن لم يصم الثّلاثة في وقتها - وهو يوم قبل التّروية، ويوم التّروية، ويوم عرفة - يسقط عنه الصّوم ويعود إلى الهدي. وذهب الشّافعيّة - في الأظهر عندهم - إلى لزوم التّفريق بين الثّلاثة والسّبعة، والأظهر على هذا - في مدّة التّفريق - أنّها تكون بقدر أربعة أيّام، ومدّة إمكان السّير إلى أهله على العادة لتتمّ. ولو صام عشرة أيّام متوالية حصلت له الثّلاثة، ولا يعتدّ بالبقيّة لعدم التّفريق. ويراجع التّفصيل في مصطلح: (تمتّع). ج - تفريق صوم جزاءات الحجّ: 4 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز تفريق أيّام الصّوم في جزاءات الحجّ بأنواعها المختلفة، لأنّ اللّه تعالى أمر به مطلقا في أنواعها كلّها، فلا يتقيّد بالتّتابع من غير دليل. وينظر للتّفصيل مصطلح (تتابع). د - تفريق أشواط الطّواف: 5 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تلبّس بالطّواف ثمّ أقيمت المكتوبة، فإنّه يقطع الطّواف ويصلّي مع الجماعة، ويبني على طوافه، لأنّه فعل مشروع في أثناء الطّواف، فلم يقطعه كاليسير. وفي غير المكتوبة اختلف الفقهاء تضييقاً وتوسيعاً. ويرجع إلى مصطلح (طواف). هـ – التّفريق بين الأمّ وولدها: 6 – لا خلاف بين الفقهاء في حظر التّفريق بين الأمة المملوكة وولدها الصّغير بالبيع حتّى يميّز أو يثغر أو يبلغ، على اختلاف بين الفقهاء. لحديث «من فرّق بين الوالدة وولدها فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة». واختلفوا في التّفريق بين الصّغير وبين غير الأمّ من المحارم. فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم التّفريق بين الصّغير وبين محرمه المنفرد، لحديث عليّ رضي الله عنه، قال: «أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما، ففرّقت بينهما فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أدركهما فأرجعهما، ولا تبعهما إلا جميعاً» ولأنّ بينهما محرميّة، فلم يجز التّفريق بينهما كالأمّ وولدها. وقال المالكيّة والشّافعيّة: إنّ التّحريم خاصّ بالأمّ وولدها للحديث السّابق. وصرّح الشّافعيّة بأنّ التّفريق بين البهيمة وولدها حرام، إلا إن استغنى عنها، أو بذبحه هو لا بذبحها، ولا ببيعه للذّبح. و - تفريق الصّفقة لتعدّد أحد الطّرفين أو تعدّد المبيع: 7 - تفرّق الصّفقة بتفصيل الثّمن من الموجب أو القابل، كأن يقول في عقد البيع مثلاً: بعتك هذا الثّوب بمائة، وهذا بخمسين، فيقبل الآخر فيهما، سواء فصّل القابل أم لم يفصّل، فيجوز ردّ أحدهما بعيب، واستبقاء الآخر. تفريقاً للصّفقة لتعدّدها بتفريق الثّمن. وكذا إن تعدّد البائع، أو المشتري، فيجوز ردّ نصيب أحدهما بعيب، تفريقا للصّفقة. أمّا إذا قبل أحد المبيعين، أو نصيب أحد الطّرفين فلا تفرّق الصّفقة، لاختلاف الإيجاب والقبول، فيبطل العقد. هذا التّفصيل للشّافعيّة. ومذهب الحنفيّة أنّه إذا اتّحد الموجب، وتعدّد المخاطب، لم يجز التّفريق بقبول أحدهما، سواء أكان الموجب بائعا أم مشتريا، وعلى عكسه لم يجز القبول في حصّة أحدهما. وإن اتّحدا لم يصحّ قبول المخاطب في البعض، فلم يصحّ تفريقها مطلقا في الأحوال الثّلاثة، لاتّحاد الصّفقة في الكلّ. وكذا إن اتّحد العاقدان وتعدّد المبيع، كأن يوجب بيع مثليّين، أو قيميّ ومثليّ، لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد القبول في البعض، ويكون المبيع ممّا ينقسم الثّمن عليه بالأجزاء، كدار واحدة، أو موزون، أو مكيل، فيكون القبول إيجاباً جديداً والرّضا قبولا. أمّا إن كان المبيع ممّا لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين أو دارين، فلا يجوز التّفريق في القبول. فإن بيّن ثمن كلّ واحد منهما بأن كرّر لفظ البيع كأن يقول: بعتك هذين الثّوبين: بعتك هذا بألف وبعتك هذا بألف، يصحّ التّفريق بالقبول. أمّا إذا لم يكرّر لفظ البيع وفصّل الثّمن، قال بعض الحنفيّة تعدّدت الصّفقة، فيجوز تفريقها بالقبول، ومنعه آخرون. وقيل: إنّ اشتراط تكرار لفظ البيع للتّعدّد استحسان. وهو قول أبي حنيفة. وعدم اشتراطه قياس. وهو قول الصّاحبين. ومذهب الحنابلة أنّ تفرّق الصّفقة يكون بتعدّد البائع أو المشتري أو المبيع أو بتفصيل الثّمن، على الصّحيح عندهم. فإذا اشترى اثنان شيئاً، وشرطا الخيار، أو وجداه معيباً فرضي أحدهما فللآخر الفسخ بناء على تعدّد الصّفقة بتعدّد الطّرفين. وهو الصّحيح عندهم، وفي قول لا تفرّق بناء على أنّ الصّفقة لا تتعدّد بتعدّد الطّرفين. وكذلك لو اشترى واحد من اثنين شيئا وظهر به عيب فله ردّ نصيب أحدهما وإمساك الآخر، تفريقا للصّفقة، وهو رأي المالكيّة والتّفصيل في مصطلح (الرّدّ بالعيب).
إذا اشتملت الصّفقة على ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فقد اختلف الفقهاء في حكمها على النّحو التّالي: مذهب الحنفيّة: 8 - ذهب الحنفيّة إلى جواز تفريق الصّفقة، إذا جمع فيها بين ما يملكه وما لا يملكه، كداره ودار غيره، فيصحّ البيع، وينفذ في ملكه بقسطه من الثّمن باتّفاق أئمّتهم، ويصحّ في ملك غيره موقوفاً على الإجازة. أمّا إذا جمع فيها بين ميتة ومذكّاة أو خلّ وخمر، فيبطل فيهما، إن لم يسمّ لكلّ واحد ثمنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد. أمّا إذا سمّى لكلّ واحد منهما ثمناً فاختلفوا فيها: فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّ البيع يبطل فيهما، لأنّ الميتة والخمر ليسا بمال، والبيع صفقة واحدة، فكان القبول في الميتة كالمشروط للبيع في المذبوحة، وهو شرط فاسد مفسد للعقد في المذبوحة، بخلاف بيع ما يملكه وما لا يملكه فالبيع موقوف، وقد دخلا تحت العقد لقيام الماليّة. وذهب الصّاحبان إلى صحّة العقد في الحلال بقسطه من الثّمن، إذا سمّي لكلّ منهما قسط من الثّمن. لأنّ الفساد لا يتعدّى المحلّ الفاسد، وهو عدم الماليّة في الميتة، فلا يتعدّى إلى غيرها إذ لا موجب لتعدّيه، لأنّ كلّا منهما قد انفصل عن الآخر بتفصيل الثّمن، بدليل ما لو كانتا مذكّاتين فتلفت إحداهما قبل القبض بقي العقد في الأخرى. مذهب المالكيّة: 9 - إذا جمعت الصّفقة بين حلال وحرام بطلت فيهما عندهم، إذا علم العاقدان الحرام أو علمه أحدهما. أمّا إذا لم يعلما، كأن باع قلّتي خلّ وخمر على أنّهما خلّ، فبانت إحداهما خمرا، أو باع شاتين على أنّهما مذبوحتان فبانت إحداهما ميتة، فله التّمسّك بالباقي بقسطه من الثّمن، يرجع على البائع بما يخصّ الخمر والميتة من الثّمن لفساد بيعه. مذهب الشّافعيّة: 10 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ تفريق الصّفقة ثلاثة أقسام: أ - أن يكون التّفريق في الابتداء. ب - أو في الدّوام. ج - أو في اختلاف الحكم. فأمّا تفريقها ابتداء، فكأن يبيع حلالاً وحراماً في صفقة واحدة، كشاة وخنزير، أو خلّ وخمر، أو ميتة ومذكّاة، أو داره ودار غيره بغير إذن صاحبها. فيصحّ البيع في كلّ ذلك فيما يجوز بيعه من الحلال، وما يملكه بقسطه من الثّمن، إعطاء لكلّ حكمه، لأنّ الصّفقة اشتملت على صحيح وفاسد، فالعدل تصحيحها في الصّحيح، وقصر الفساد على الفاسد، كنظيره فيما لو شهد فاسق وعدل. وفي قول يصحّ العقد بجميع الثّمن للحلال، لأنّ العقد يتوجّه إلى ما يجوز بيعه، فكان الآخر كالمعدوم. وفي قول: يبطل فيهما، لأنّ الصّفقة جمعت بين حلال وحرام، فغلب الحرام، لقول ابن عبّاس: ما اجتمع حلال وحرام، إلّا غلب الحرام الحلال، ولجهالة العوض الّذي يقابل الحلال. وأمّا تفريق الصّفقة في الدّوام فكأن يبيع شاتين له، فتلفت إحداهما قبل القبض، فلا ينفسخ العقد، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ والإجازة، فإن أجاز يأخذ الباقي بقسطها من الثّمن. وأمّا تفريقها في اختلاف الحكم فكما لو شملت الصّفقة مختلفي الحكم، كإجارة وبيع بثمن واحد، أو إجارة وسلم صحّا، ويوزّع المسمّى على القيمة، وكذا بيع ونكاح، فيصحّ النّكاح بلا خلاف، لأنّ المال ليس شرطا فيه، وفي البيع والصّداق قولان: الأظهر صحّتهما، ويوزّع المسمّى على قيمة المبيع ومهر المثل. مذهب الحنابلة: 11 - قسّم الحنابلة هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يبيع معلوما ومجهولا في صفقة واحدة بثمن واحد، كأن يقول بعتك هذه الفرس، وما في بطن هذه الفرس الأخرى، بألف. فهذا باطل. لأنّ المجهول لا يصحّ بيعه لجهالته، فيصير المبيع المعلوم مجهول الثّمن ولا سبيل إلى معرفته، لأنّ المعرفة إنّما تكون بتقسيط الثّمن على المبيعين، والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذّر التّقسيط. ثانيها: أن يكون المبيعان ممّا ينقسم الثّمن عليهما بالأجزاء، كدار مشتركة بينه وبين غيره باعها بغير إذن شريكه، ففي ذلك عند الحنابلة وجهان: أحدهما: يصحّ البيع في ملكه بقسطه من الثّمن، ويبطل فيما لا يملكه. لأنّ لكلّ واحد منهما حكم المستقلّ لو انفرد، فإذا جمع بينهما ثبت لكلّ واحد منهما حكمه. وهو كما سبق قول أبي حنيفة وأحد قولي الشّافعيّ. والوجه الثّاني: لا يصحّ البيع، لأنّ الصّفقة جمعت حلالاً وحراماً، فغلب التّحريم، ولأنّ الصّفقة إذا لم يمكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكلّ، كالجمع بين الأختين. وهو قول للشّافعيّة. ثالثها: أن يكون المبيعان معلومين ممّا لا ينقسم عليهما الثّمن بالأجزاء، وأحدهما ممّا يصحّ بيعه والآخر ممّا لا يصحّ، كخلّ وخمر، وميتة ومذكّاة، ومقدور التّسليم وغير مقدور التّسليم، فيبطل البيع فيما لا يصحّ بيعه، وفي الآخر روايتان: إحداهما: يصحّ فيه البيع بقسطه من الثّمن، وهو الأظهر من قولين للشّافعيّة، لأنّه يصحّ بيعه منفردا فلم يبطل بانضمام غيره إليه. والثّاني: يبطل فيه أيضا، وهو قول الشّافعيّة، لأنّ الثّمن مجهول، لأنّه يتبيّن بتقسيط الثّمن على القيمة، وذلك مجهول حين العقد. ز - تفريق الصّوم في الكفّارات: 12 - لا خلاف بين الفقهاء في وجوب التّتابع في صوم كفّارتي القتل والظّهار، لثبوت التّتابع فيهما بنصّ القرآن، في قوله تعالى في كفّارة القتل: {فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ تَوبَةً مِنَ اللَّهِ} وفي كفّارة الظّهار في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرينِ مُتَتَابِعينِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وثبت التّتابع في صيام كفّارة الوطء في رمضان بالسّنّة الصّحيحة. وذهب إلى ذلك عامّة أهل العلم لما في حديث أبي هريرة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فقال: هلكت يا رسول اللّه قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين...» إلى آخر الحديث. والتّفصيل في مصطلح (تتابع). 13 - أمّا كفّارة اليمين فقد اختلف الفقهاء في جواز تفريق الصّوم فيها فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز تفريق الصّوم في كفّارة اليمين، واستدلّوا بقراءة ابن مسعود، وأبيّ، وقد قرآ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتتَابِعَات}. وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ التّتابع في كفّارة اليمين غير واجب، وهو قول عند الحنابلة، لأنّ الأمر بالصّوم فيها مطلق، ولا يجوز تقييده إلا بدليل. وقد سبق تفصيل هذه المسألة في مصطلح (تتابع).
14 - لا يجب التّتابع في قضاء رمضان باتّفاق المذاهب الأربعة. وسبق التّفصيل في مصطلح (تتابع ).
1 - التّفسير في اللّغة: الكشف والإظهار والتّوضيح. وفي الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللّغويّ، وغلب على تفسير القرآن، والمراد به، كما قال الجرجانيّ: توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصّتها، والسّبب الّذي نزلت فيه، بلفظ يدلّ عليه دلالة ظاهرة
أ - التّأويل: 2 - التّأويل مصدر أوّل. يقال: أوّل الكلام تأويلا: دبّره وقدّره وفسّره، وفي الاصطلاح: صرف اللّفظ عن معناه الظّاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الّذي يراه موافقا للكتاب والسّنّة، مثل قوله تعالى: {يُخْرِجُ الحَيَّ مِن المَيِّتِ} إن أراد به إخراج الطّير من البيضة كان تفسيراً، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر، أو العالم من الجاهل كان تأويلاً. والفرق بين التّفسير والتّأويل أنّ التّفسير أعمّ من التّأويل، وأكثر استعمال التّفسير في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التّأويل في المعاني والجمل. وأكثر ما يستعمل التّأويل في الكتب الإلهيّة. أمّا التّفسير فيستعمل فيها وفي غيرها. وقال قوم: ما وقع مبيّنا في كتاب اللّه، ومعيّنا في صحيح السّنّة سمّي تفسيرا، لأنّ معناه قد ظهر، وليس لأحد أن يتعرّض له باجتهاد ولا غيره، بل يحمله على المعنى الّذي ورد لا يتعدّاه، والتّأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب، الماهرون بآلات العلوم. قال الماتريديّ: التّفسير القطع على أنّ المراد من اللّفظ هو هذا، والشّهادة على اللّه أنّه عنى باللّفظ هذا المعنى، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرّأي، وهو المنهيّ عنه. والتّأويل ترجيح أحد الاحتمالات بدون القطع والشّهادة على اللّه. ب - البيان: 3 - البيان: إظهار المتكلّم المراد للسّامع، وهو أعمّ من التّفسير، لشموله - عدا بيان التّفسير - كلاً من بيان التّغيير، وبيان التّقرير، وبيان الضّرورة، وبيان التّبديل.
4 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز تفسير القرآن بمعنى اللّغة، لأنّه عربيّ. وقال السّيوطيّ: قد أجمع العلماء على أنّ التّفسير من فروض الكفايات، وأجلّ العلوم الثّلاثة الشّرعيّة - أي: التّفسير والحديث والفقه -. وقال: - نقلا عن الأصفهانيّ - أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن. كما أجمعوا على حظر تفسير القرآن بالرّأي من غير لغة ولا نقل، واستدلّوا بقوله تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ} إلى قوله {وَأنْ تَقُولُوا على اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النّار» والمراد منه التّفسير بالرّأي من غير لغة، ولا نقل.
5 - قسّم العلماء معاني القرآن إلى ثلاثة أقسام: أ - ما لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو الّذي استأثر اللّه بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه، ومنه أوقات وقوع الأمور الّتي أخبر اللّه في كتابه أنّها كائنة، مثل وقت قيام السّاعة، ووقت نزول عيسى، ووقت طلوع الشّمس من مغربها، وما أشبه ذلك، فهذا القسم ليس لأحد أن يتعرّض له بالتّأويل. ب - ما خصّ اللّه نبيّه صلى الله عليه وسلم بعلم تأويله دون سائر أمّته، ويحتاج العباد إلى تفسيره لأمور دينهم، ودنياهم، فلا سبيل لهم أيضاً إلى علم ذلك إلا ببيان الرّسول صلى الله عليه وسلم لهم تأويله. ج - ما كان علمه عند أهل اللّسان الّذي نزل به القرآن، وذلك علم تأويل عربيّته وإعرابه، فلا يوصل إلى علم ذلك إلا من قبلهم.
6 - قال السّيوطيّ: قال العلماء: من أراد تفسير القرآن الكريم طلبه أوّلا من القرآن نفسه، فما أجمل منه في مكان بسط في موضع آخر، وما اختصر في مكان بسط في موضع آخر منه. فإن أعياه ذلك طلبه من السّنّة، فإنّها شارحة للقرآن، ومبيّنة له. وقال الشّافعيّ رضي الله عنه: كلّ ما حكم به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو ممّا فهمه من القرآن. لقوله تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَا إليكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}. وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا إنّي قد أوتيت القرآن ومثله معه». وقالوا: فإن لم يوجد في القرآن، ولا في السّنّة ما يوضّح المعنى، يرجع إلى أقوال الصّحابة في تفسيره، فإنّهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما اختصّوا به من الفهم الصّحيح والعمل الصّالح، وقد قال الحاكم في كتاب معرفة علوم الحديث: إنّ الصّحابيّ الّذي شهد الوحي والتّنزيل، فأخبر عن آية من القرآن أنّها نزلت في كذا وكذا، فإنّه حديث مسند. وقال صاحب كشّاف القناع: يلزم الرّجوع إلى تفسير الصّحابيّ لأنّهم شاهدوا التّنزيل، وحضروا التّأويل. فتفسيره أمارة ظاهرة. وإذا قال الصّحابيّ ما يخالف القياس فهو توقيف. وقال القاضي، وغيره من الحنابلة: إن قلنا: إنّ قول الصّحابيّ حجّة لزم قبول تفسيره، وإلا فإنّ نقل كلام العرب في ذلك صيّر إليه، وإن فسّره اجتهادا أو قياسا على كلام العرب لم يلزم قبول تفسيره. 7 - أمّا تفسير التّابعيّ فلا يلزم الرّجوع إليه، لأنّه ليس حجّة بالاتّفاق، ونقل عن الإمام أحمد: يلزم الرّجوع إلى قول التّابعيّ في التّفسير، وغيره. ونقل أبو داود: إذا جاء عن الرّجل من التّابعين لا يوجد فيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نقل لا يلزم الأخذ به. وقال المرويّ: ينظر ما كان من النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخذ وجوباً، فإن لم يكن فعن الصّحابة، فإن لم يكن فعن التّابعين، وقال القاضي: يمكن حمل هذا القول على إجماعهم، وقواعد المذاهب الأخرى لا تأبى ذلك. والمسألة أصوليّة، وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ.
8 - ذهب جمهور العلماء إلى جواز تفسير القرآن بمقتضى اللّغة، وقالوا: لأنّه عربيّ. قال الغزاليّ: ثبت أنّه ليس في القرآن ما لا تفهمه العرب. فإن قيل: العرب إنّما تفهم من قوله تعالى: {وهو القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِه} و {الرَّحمَنُ على العَرْشِ اسْتَوى} الجهة، والاستقرار. وقد أريد به غيره فهو متشابه. قلنا هيهات، فإنّ هذه كنايات، واستعارات يفهمها المؤمنون من العرب المصدّقون بأنّ اللّه تعالى ليس كمثله شيء، وأنّها مؤوّلة تأويلات تناسب تفاهم العرب. وهناك من يرى إثبات هذه الأسماء والصّفات على ظاهرها، مع التزام التّنزيه. والتّفصيل في علم العقيدة. وقال الطّبريّ: وفي حثّ اللّه تعالى عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ، والبيانات في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاه إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه وَلِيَتَذَكَّرَ أُولوا الألْبِابِ} وما أشبهها من آي القرآن الّتي أمر اللّه عباده، وحثّهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن والاتّعاظ به، ما يدلّ على أنّ عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه، لأنّه محال أن يقال - لمن لا يفهم ما يقال له، ولا يعقل تأويله - اعتبر بما لا فهم لك به، ولا معرفة من القول والبيان والكلام على معنى الأمر بأن يفهمه، ويفقهه ثمّ يتدبّره، ويعتبر به. فأمّا قبل ذلك فمستحيل أمره بتدبّره وهو جاهل عن معناه. ثمّ قال: وإذا صحّ هذا فقد فسد قول من أنكر تفسير المفسّرين في كتب اللّه، ما لم يحجب اللّه تأويله عن خلقه. وقال العلماء: إنّ النّهي عن تفسير القرآن، إنّما ينصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه لأنّ القرآن نزل حجّة على الخلق، فلو لم يجز التّفسير لم تكن الحجّة بالغة. فإذا كان كذلك، جاز لمن عرف لغات العرب وأسباب النّزول أن يفسّره، أمّا من لم يعرف وجوه اللّغة فلا يجوز أن يفسّره إلّا بمقدار ما سمع، فيكون ذلك على وجه الحكاية، لا على وجه التّفسير، ولو قال: إنّ المراد من الآية كذا - وهو لا يعرف اللّغة العربيّة، ولم يسمع فيه شيئا، فلا يحلّ له ذلك، وهو الّذي نهى عنه. وقال مجاهد: لا يحلّ لأحد يؤمن باللّه، واليوم الآخر، أن يتكلّم في كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب.
9 - يشترط فيمن يفسّر القرآن أن يكون عالما بلغة العرب لأنّ القرآن نزل بها، فبالعلم بها يعرف شرح مفردات الألفاظ، ومدلولاتها حسب الوضع والاستعمال. وقد نقل عن مجاهد: لا يحلّ لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر: أن يتكلّم في كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب. ومنها أن يكون عالما بالنّحو لأنّ المعنى يتغيّر، ويختلف باختلاف الإعراب، وبالصّرف لأنّ به يعرف أبنية الكلمات واشتقاقاتها، لأنّ الاسم إذا كان اشتقاقه من مادّتين مختلفتين اختلف معناه باختلافها. ويشترط أن يعرف علوم البلاغة: المعاني، والبيان، والبديع، لأنّه بهذه العلوم يعرف خواصّ تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وخواصّها من حيث اختلافها، حسب وضوح الدّلالة، وخفائها، وتحسين الكلام، كما يشترط أن يكون عالما بأصول الفقه، إذ به يعرف وجوه الاستدلال على الأحكام، وطرق الاستنباط، وأن يعلم أسباب النّزول، إذ به يعرف معنى الآية المنزّلة فيه بحسب ما أنزلت. ويشترط أيضا أن يعرف النّاسخ، والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره، والأحاديث المبيّنة لتفسير الجمل، والمبهم. ويشترط في المفسّر صحّة الاعتقاد، ولزوم السّنّة، وألا يتّهم بإلحاد، ولا هوى، لأنّه لا يؤتمن على الدّنيا من كان مغموصاً في دينه فكيف يؤتمن على الدّين، ثمّ هو لا يؤتمن في الدّين على الإخبار عن عالم، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار اللّه؟ وكذلك لا يؤتمن إذا كان متّهما بإلحاد أن يبغي الفتنة ويغرّ النّاس بليّه، وخداعه، وإن كان متّهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه على ما يوافق بدعته. وعدّ السّيوطيّ علم الموهبة قال: وهو علم يورثه اللّه تعالى لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة بحديث: «من عمل بما علم ورّثه اللّه علم ما لم يعلم». 10 - ونقل السّيوطيّ عن أبي طالب الطّبريّ أنّه يجب أن يكون اعتماد المفسّر على النّقل الصّحيح عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ عن الصّحابة ومن عاصرهم من التّابعين، وأن يتجنّب المحدثات - أي الأقوال المبتدعة - وإذا تعارضت أقوال الصّحابة، وأمكن الجمع بينها فعل. وإن لم يمكن الجمع بينها ردّ الأمر إلى ما ثبت فيه السّمع. فإن لم يجد سمعا، وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدهما رجّح ما قوي الاستدلال فيه، إذا كان ممّا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه بطرق الاستدلال، لأنّه قد ثبت أن ليس في القرآن ما لا تفهمه العرب، أمّا ما لا يمكن معرفته بطرق الاستدلال ولا نقل فيه فلا سبيل إلى تفسيره. وعامّة هذا النّوع ممّا لا فائدة فيه، ولا حاجة بنا إلى معرفته كلون كلب أصحاب الكهف، واسمه، والبعض الّذي ضرب به الميّت من البقرة، واسم الغلام الّذي قتله صاحب موسى عليه السلام، ونحو ذلك، ولا ينبغي أن نشغل أنفسنا بذلك. وينبغي أن يكون المفسّر سليم المقصد فيما يقول، ليلقى التّسديد من اللّه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنينَ} وقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ}
11 - يجوز عند جمهور الفقهاء للمحدث مسّ كتب التّفسير وإن كان فيها آيات من القرآن وحملها والمطالعة فيها، وإن كان جنباً، قالوا: لأنّ المقصود من التّفسير: معاني القرآن، لا تلاوته، فلا تجري عليه أحكام القرآن. وصرّح الشّافعيّة بأنّ الجواز مشروط فيه أن يكون التّفسير أكثر من القرآن لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ، وليس هو في معنى المصحف. وخالف في ذلك الحنفيّة، فأوجبوا الوضوء لمسّ كتب التّفسير. والتّفصيل في مصطلح (مصحف، وحدث).
12 - اختلف الفقهاء في قطع سارق كتب التّفسير، فذهب مالك والشّافعيّ والحنابلة وأبو ثور إلى وجوب القطع بسرقتها إذا تمّت شروط القطع. وذهب الحنفيّة إلى عدم القطع على تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح (سرقة).
13 - إذا قال ابتداء أو جوابا عن دعوى صحيحة: لفلان عليّ شيء، ونحو ذلك، صحّ الإقرار باتّفاق الفقهاء، ويجب عليه تفسير المبهم، فإن فسّره بما يتموّل قبل تفسيره، قلّ أو كثر. وإن فسّره بما لا يتموّل ولكنّه من جنس ما يتموّل، كحبّة حنطة يقبل عند الشّافعيّة، لأنّه شيء يحرم أخذه بغير إذن، ويجب ردّه على آخذه. ويشترط الحنفيّة أن يفسّر بذي قيمة، وهو الرّاجح عند الحنابلة، ووجه عند الشّافعيّة. وإن لم يكن من جنس ما يتموّل فإن كان ممّا يجوز اقتناؤه لمنفعته كالكلب المعلّم أو القابل للتّعليم، والسّرجين، فيقبل تفسيره به، وإن فسّره بما لا يجوز اقتناؤه، كخمر غير الذّمّيّ، أو ككلب لا يجوز اقتناؤه، فلا يقبل تفسيره به. وإن فسّره بوديعة، أو بحقّ الشّفعة قبل. وإن امتنع عن التّفسير حبس حتّى يفسّر، لأنّ التّفسير واجب عليه، فيصير بامتناعه عن تفسير ما أقرّ به مجملا - كمن امتنع عن أداء حقّ وجب عليه. وفي وجه عند الشّافعيّة لا يحبس، فإن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع عن التّفسير جعل منكرا، ويعرض اليمين عليه، فإن أصرّ ولم يحلف جعل ناكلا، وحلف المدّعي، وإن كان ابتداء بلا سبق دعوى ادّعى عليه المقرّ له بالحقّ، وقالوا: حيث أمكن حصول الغرض فلا يحبس. والتّفصيل في مصطلح (إقرار).
|